عامود السحاب عملية كبرى. أهداف صغرى الكاتب: ماجد عزام - اخبار اليوم اخبارية فلسطينية

شارة فيس بوك

عامود السحاب عملية كبرى. أهداف صغرى الكاتب: ماجد عزام

الكاتب: ماجد عزام
وضعت إسرائيل أهداف صغرى للعملية العسكرية الكبرى المسماة عامود السحاب، ورغم الاستخدام الكثيف الفظ الوحشي والإجرامي للقوة، إلا أن الأهداف أو الآمال الإسرائيلية من العملية بقيت متواضعة ومحدودة قياساً إلى عدوان الرصاص المصبوب نهاية العام 2008.

للتذكير فقد هدفت عملية الرصاص المصبوب إلى أحداث تغيير جذري وكامل للمشهد السياسي والميداني في المنطقة، حيث جرى الحديث عن إسقاط حكومة حماس تدمير المقاومة بقيادتها كوادرها وتدمير الأنفاق ومنع وصول الأسلحة إلى غزة، إضافة إلى استعادة جلعاد شاليت، الذي تم أسره إثر عملية نوعية في حزيران يونيو 2006 وفشلت الدولة العبرية بأجهزتها وإمكانياتها التقنية والاستخباراتية الهائلة لسنوات حتى في تحديد مكان أسره.

قياسا إلى هذه الأهداف الكبرى والطموحة وضعت حكومة نتن ياهو لعدوان عامود السحاب لائحة متواضعة ومحدودة، تتضمن وقف إطلاق الصواريخ من غزة باتجاه المستوطنات والمدن المحيطة بها؛ والاكتفاء بتدمير مخزون المقاومة من الصواريخ متوسطة المدى والتي تطال تل أبيب ومنطقة غوش دان، التي تمثل العصب الاقتصادي الاجتماعي للدولة العبرية وفي السياق طبعاً فرض أو بلورة تفاهم جديد للتهدئة لأطول مدى زمني ممكن دون الاستعداد لرفع الحصار عن غزة وللدقة القبول برفعه، ولكن من خلال مصر وعبرها وتوسيع معبر رفح ليكون للأشخاص والبضائع بإشراف مصري مع تعهد بعدم استخدامه لإيصال الأسلحة إلى غزة، علماً أن الشرط المتعلق بالسلاح غير واقعي، حتى من وجهة النظر الإسرائيلية؛ لذلك تبدو تل أبيب غير متمسكة به وتكتفي عوضاً عنه بتنسيق أمني مع مصر وتعهد من القاهرة بمكافحة تجارة السلاح عبر سيناء، علماً أن هذا ما تفعله القيادة المصرية منذ شهور وهو مرتبط أساساً بسياقات داخلية بعيداً عن الأهواء أو الرغبات والمطالب الإسرائيلية.

المعطيات السابقة تطرح السؤال المنطقي عن السبب أو الأسباب التي دعت الحكومة الحالية إلى تخفيض سقف المطالب، رغم استخدام نفس القدر من الكثافة النارية، ورغم كونها أكثر تطرفاً من الحكومة التي قادت عدوان الرصاص المصبوب نهاية 2008.

بداية، لا بد من الإشارة إلى أن الحذر والتواضع في تحديد الأهداف عائد أساساً إلى الخشية من تعثر تشوش العملية والتورط مرة أخرى تجاه غزة وفيها، وبالتالي دفع الثمن في الانتخابات القادمة وضمن رؤية أوسع عملت القيادة الإسرائيلية إلى بلورة أهداف يمكن تحقيقها وضمان نيل الثمن في صناديق الاقتراع في انتخابات كانون ثاني يناير القادم.

لا تفكر حكومة نتن ياهو بأي حال في التوصل إلى تسوية ما، مع الفلسطينيين وهذا ما يدفعها إلى تأبيد وتعميق الانقسام الذي تستفيد منه في سياق سعيها إلى تصفية نهائية للقضية الفلسطينية، وبالتالي لا مصلحة لها في إسقاط سلطة حماس بالقوة وتغير الواقع الحالي؛ علماً أن ما من جهة فلسطينية تقبل بالعودة أو السيطرة على غزة على وقع الحرب الإسرائيلية وعوضاً عن ذلك تدرك حكومة نتن ياهو أن مطلب إسقاط حماس وإزاحتها من المشهد السياسي غير واقعي أبداً ولا يمكن تحقيقه بالقوة، وأن ثمن ذلك باهظ وباهظ جداً، وليس بوسع الدولة العبرية تحمله، علماً أنه قد يشمل الغرق مرة أخرى في الوحل الغزاوي وإعادة احتلال الساحل الساحلي الضيق وسقوط السلطة ليس في غزة فقط، وإنما في الضفة أيضاً وإعلان رسمي عن موت عملية التسوية، هذا ناهيك عن البعد المصري واحتمال تحول سيناء إلى ساحة خلفية للمقاومة ونقطة انطلاق لعملياتها ضد جيش الاحتلال المتواجد في غزة.
لا بد من الإشارة في السياق نفسه إلى أن وزير الدفاع أهود باراك المشرف مباشرة على العدوان الحالي اعتبر دائماً أن إسقاط حكومة حماس غير واقعي ولا يمكن تحقيقه بأدوات عسكرية وهو اختلف أثناء عدوان الرصاص المصبوب مع رئيس وزرائه أهود أولمرت حول هذا الأمر، كما على العملية البرية كون باراك كان وما زال مؤمناً أن ما لم يتحقق جواً لن يتحقق براً، وأن أي عملية برية ستورط إسرائيل أكثر وتفقدها الدعم والتفهم الدولي لما تصفه بحقها في الدفاع عن سيادتها وأمن مواطنيها.

إلى ذلك تتحسّب إسرائيل جداً من رد الفعل المصري الرسمي والشعبي على حد سواء، ولا تريد بأي حال من الأحوال إغلاق قناة الحوار المتعثر أصلاً مع النظام المصري الجديد وربما يبدو هذا الأمر غريباً أو معقداً، حيث خططت تل أبيب منذ بداية لاستغلال العدوان من أجل استئناف التنسيق مع القاهرة واستعادة الحوار معها من الباب الغزاوي، علماً أن مطلب وقف تهريب السلاح موجه أساساً إلى القاهرة العنوان الإقليمي الأهم والضامن لأي تفاهم جديد للتهدئة كما لمجمل الواقع الذي سينتج عن عملية عامود السحاب.

الواقع الإقليمي والدولي غير مؤاتي أيضاً لعملية على غرار الرصاص المصبوب، ليس فقط نتيجة غياب عملية التسوية التي وفرت كما يقول رئيس الوزراء السابق أهود أولمرت دائماً الاسناد الدولي المناسب لشن عدوان 2008، وإنما لأن البيئة الإقليمية والدولية تغيرت والعداء لإسرائيل يشتد وقدرتها على تسويق روايتها تتراجع ليس إقليمياً، وإنما دولياً ولأن حكومة نتن ياهو لا تنوي ولا تفكر أصلاً في استئناف المفاوضات الجادة مع السلطة فقد حرصت على التخطيط لعملية قصيرة ولكن كثيفة النيران لمنع إطلاق الصواريخ واستعادة التهدئة واستدراج عروض مصرية ودولية لضمان الهدوء في غزة ومحيطها وهذا جل ما يريده ويسعى إليه نتن ياهو أقله على المدى المنظور.

في كل الأحوال فإن التهدئة حتمية في غزة وجوارها، وهي ستجلب معها رفع الحصار أقله من البوابة المصرية، وعموماً هذا ما سعى ويسعى إليه نتن ياهو واليمين بشكل عام التخلص من غزة وصداعها بأقل ثمن ممكن والأهم إبقاء الوضع على ما هو عليه ضمن أدنى مستوى ممكن من التصعيد كون رئيس الحكومة مقتنع بأن الصراع غير قابل للحل، وإنما الإدارة فقط بالحد الأدنى من الخسائر وانتظار آفاق التطورات والمتغيرات الإقليمية العاصفة وحينها يبنى على الشيء مقتضاه.
12:50 ص | 0 التعليقات | واصل القراءة

0 التعليقات: